معهد العلمين للدراسات العليا في النجف الاشرف


معهد العلمين للدراسات العليا يقيم ندوة علمية حوارية بعنوان ( الدين والدولة في ظل دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥)
2018 / 03 / 10
4227

أقيم اليوم الأربعاء ٧ / ٣ / ٢٠١٨ في معهد العلمين للدراسات العليا ندوة علمية حوارية بعنوان ( الدين والدولة في ظل دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥) بالتعاون مع مؤسسة سانت ابجيدو الإيطالية والمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات وبمشاركة اساتذة وعمداء كليات من مختلف الجامعات العراقية وطرحت في الندوة مجموعة من الأوراق البحثية لتغطية محاور الندوة حيث قدم الدكتور زيد العلي الخبير في الشؤون الدستورية ورقة بعنوان ( الدستور العراقي والنظام الاتحادي ) اما الشيخ الدكتور عبد الوهاب السامرائي من المجمع الفقهي العراقي قدم ورقة بحثية بعنوان ( التنوع والتعايش في المجتمع العراقي ) وقدم الاستاذ الدكتور عدنان عاجل عبيد ورقة بحثية بعنوان ( الهوية الدينية للدولة في دستور عام ٢٠٠٥) في حين قدم عميد كلية العلوم السياسية الاستاذ الدكتور عامر حسن فياض ورقة بحثية بعنوان ( دسترة المحاصصة وآثارها السلبية على التعايش السلمي في العراق ) هذا وشهدت الندوة مجموعة من المداخلات والاراء والأفكار فيما يتعلق بموضوع الندوة والاوراق البحثية  . 

 

الدين والدولة في دستور جمهورية العراق

سنة 2005م

افتتح السيد معاون العميد للشؤون العلمية ، الدكتور فكرت نامق ندوةً بعنوان : الدين والدولة في ظلّ دستور 2005 م .

ورحّب بالسادة الضيوف ،والأعضاء المشاركين ،كلٍّ من :

وفد المنظّمة الإيطالية (سانتجيدو) المتخصّصة بحوار الأديان ، والشيخ عبد الوهاب السامرائي ، والسيد عميد معهد العلمين للدراسات العليا ، والأستاذ عامر حسن فياض، ثم قدّم الدكتور زيد العلي ، لعرض ورقته .

 رحّب الدكتور علي بالحاضرين، وأبدا سعادته في مشاركته هذه الندوة  .

 

((الدستور العراقي والنظام الاتحادي في العراق))

أعتمدُ في مثل هذه الجلسات ، على تقديم المقترحات البنّاءة ، فأركّز على بعض البنود ، وأبتدأ بمقدّمة عن الموضوعات الإيجابية في نظام الدستور .

لا يُتخيل ـ مستقبلاً ـ عودة العراق إلى نظام مركزي ، أو ملكي آخر ،  فما يبدو عليه الدستور اليوم ، هو النظام المثالي لحكم دولة العراق . أمّا التطورات السياسية الأخيرة في العراق فقد كانت مبشّرة، ولا سيما أن الدستور العراقي قد صيغ في ظروف أمنية واقتصادية صعبة جداً، في (2005م) ، فهذه الظروف الاستثنائية ، أمدّت على مدّة الدستور، لتصل إلى اتفاق عن شتّى البنود القانونية .

من هذه الأمثلة:

ـ المادّة 110 لائحة الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية

ـ المادة 115 تذكر أن كل الصلاحيات غير الموجودة في 110 فهي للأقاليم والمحافظات .

فتظهر أول المشاكل في السيطرة على أجواء الطيران ، والأفق . وهذا ليس موجوداً في المادة 110 أي إن الحكومة الاتحادية ليس لديها الحق القانوني للسيطرة على الأجواء فوق الأراضي العراقية، ولا يجوز ذلك ـ دولياً ـ فلابد من وجود سلطة واحدة مسيطرة على الأجواء فوق الأراضي العراقية كلهّا .  وقد عولِج هذا الأمر بعد أزمة إقليم كردستان في 2017 .

إنّ المادة 115 تشير إلى ما يسمّى بـ ( قانون المحافظات ). ويخص القوانين التي تصدر من المحافظات .

على حين  نجد في المادة 122، أن للمحافظات صلاحيات إدارية ، ومالية، ولكنها لا تعني  صلاحيات تشريعية ؛ وهذا ما يدلّ على وجود شيء من الازدواجية في الدستور ، في ما يخص الصلاحيات التشريعية .

وغيرها كثير من مواضع الغموض في الدستور العراقي، كعدم تحديد حق الأقاليم وإنشائها ، وموضوع التنقيب عن مواضع النفط الجديدة .

إن أساس قانون( تأليف القوانين) في الدستور العراقي ، كان مبنياً على غرار الدستور الأسباني ، الذي كان مكوّناً من (50) محافظة ، وكان على شروط واضحة ، فكان هناك عدد محدد مسموح له أن يتجمع في إقليم واحد ، ولا يجوز أن تتجمّع محافظات كثيرة في إقليم واحد.

على حين أن نظام الأقاليم في العراق ، مفتوح تماماً ، وهو ما يمكّن أية محافظة ، كالموصل ، أو البصرة أن يكوّنوا إقليماً ، أنّى سنحت الفرصة!

وإنّ فكرة تحوّل المحافظة الأقاليم، هي فكرة معتمدة على النظام الكردي ، فإذا استقلّت المحافظات كلّها أقاليمَ ، أصبح المركز خالياً من الصلاحيات . ولا يوجد مثل هذا النظام في بقاع العالم كلّها.

بعض المقترحات للنظام الدستوري ،أقدّمها ذاتياً ، وليست مقدّمة من طرف دولي آخر :

- الحل الصحيح لما يجري في العراق ، هو الاعتراف بأنّ وضع كردستان هو وضع استثنائي ، ولا يمكن أن ينطبق هذا الوضع في المناطق الأخرى،وعلى الدستور العراقي أن يعترف إنّه نظام اتحادي غير متناسق ، وهذا موجود في كثير من الدول الاتحادية في العالم ، حتى الدول غير الاتحادية، كتجربة  كندا، و تجربة الصين مع أنظمة عدّة .

- من الأفضل للعراق ، ترك النظام الأسباني الذي يخوّل للمحافظات تكوين أقاليم أنىّ شاءت ، لأنّ الوضع العراقي العام غير مستقر ، فإذا شاءت البصرة إنشاء إقليم مستقل ، ألقت بكارثة اقتصادية على وسط العراق. فهذا النظام لا يمكن أن يكفل مصلحة البلد كلة .

- يجب توضيح المبادئ العامة ، التي يُبنى عليها النظام الاتحادي.

- علينا إعادة النظر في فكرة النظام ، وما الغاية منه .

ـ اعتماد مبدأ الحكم المشترك ، أي أنّ المحافظات كلّها تتشارك في الحكم المركزي ، والمحلّي .

- تفعيل مبدأ التضامن الاتحادي .

 

                                                                 الدكتور الشيخ عبد الوهاب السامرائي

((التنوّع والتعايش في ظل دستور 2005م))

بسم الله الرحمن الرحيم :

أقدّم شكري الجزيل إلى معهد العلمين و القائمين عليه،على هذه المبادرة الطيبة ، آملاً أن تكون خطوة في طريق التعايش الفعلي ، الذي نحتاجه كثيراً ، وآملاً ألّا تكون العمَّة الحنفية غريبةً في النجف ، وأن يكون الملتقى بادرة خير إن شاء الله .

يقول محمد إقبال ـ وهو يصف تطوّر دورة الدين في حياة البشر : يمرّ الدين في ثلاث مراحل:

الأولى : مرحلة الروح المهمينة الخالية من الشوائب والأغراض، التي يحيا بها الأفراد روحاً مهيمنة مُحبّة ، لا تطمع في شيء من حطام الدنيا ،و تتّسم بالإنسانية .

المرحلة الثانية :   بعد ذلك ـ تصبح المحبّة سلوكاً ، وتتطور دورة الدين ، فتتحول هذه الروح ـ مع استمرار التقنين والمؤسسات ــ إلى دول وجيوش وقوانين، لتنضبط بعد ذلك .

ففي عصر النبوة الأول ، لم تكن هناك كتب في الأصول ، والفقه ، واللغة ، ولا في الحديث ، ولافي الجرح والتعديل .

المرحلة الثالثة : بعد زمن تتحوّل صفة المؤسسات إلى مبدأ عن الروح التي حملتها ، ونهضت بها، وجعلتها سلوكاً، وبعد ذلك ، ستحتاج إلى تجديد ، والتجديد على نوعين :

-         تجديد جذري ، كما حدث في الديانة اليهودية ، التي عرّضت كتابها إلى الوضع والتحريف.

-         العودة إلى الأصول ، كما في التجربة الإسلامية ، إنّ ـ الله عز وجل ـ بعث على رأس كل مئة عام نبي يجدد للناس أمر دينهم .

والتجديد في التجربة الإسلامية يحتاج إلى عناء . وفي حقيقة الأمر ، أن المدارس الاسلامية وقفت أمام التجديد موقفين :

1-    الموقف النصّي :الظاهري

2-    الموقف العقلي :العلمانيين .

العلمانيون يرون أن الدين كلّة تراث وتأريخ  ، لا قداسة له  ويجب تركه ، ولا ينبغي تقديسه . على حين أن أهل الظاهر يعتقدون  أن كل ما ورثناه من وحي ، وأقوال ، وسُنن ، وشروح ، وحواشي، واجتهادات ، هو دين ووحي لا ينبغي التفريط بشيء منه ، و هذا إشكال آخر . ونعتقد  إن الحالة الامثل هي تقسيم التراث الديني إلى ما هو ثابت ومقدّس ، فالأصول محكمات لا يمكن تجديدها ، وعلى ما أضيف على ذلك من شروح واجتهادات ، وحُشِّي بعد ذلك ، فيمكن أن يبدّل ويُغيَّر ، ويُجتهد به كما اجتهد الأولون .

 

هذه هي الحالة المثالية التي يمكن أن تعرض الصيغة المثلى لفكرة الدين وفي عصر المتغير، في الحالة الإسلامية ليس هناك دين جديد، من المشاكل التي يواجهها العالم الإسلامي ـ فكراً ـ في المدارس العريقة ، هو كثرة الثوابت، وكثرة القيود ، وكثرة المحكمات ، وكثرة الأصول فتضخّم الفروع ـ أحياناً ـ لتصبح أصولاً، لا ينبغي المَساس بها ،وهذا عائق من عوائق التعايش . في بلاد مثل العراق ـ وبلاد المنطقة بوجه عام ـ هناك تنوع واختلاف في الهويات الوطنية ، منها : هويات إثنية عرقية ، ومنها دينية و منها مذهبية ، ومنها قومية .

نعتقد أن الأمر الأهم هو أن تُدار هذه الهويّات على أساس من العدل ؛ لأنّها قيمة مطلقة لا تُحابي  أحداً . فيتم الاعتراف بهذه الهويات كلّها على أساس الاحترام والاعتراف، وإعطاء الحقوق ، وعدم غمط حقوقها وابتلاعها بحجة الحرية ،أو الديمقراطية ، لأن هناك اختلاف في تفسير الديمقراطية : هل هي حكم الأكثرية ؟ أم هي حفظ حقوق الأقليات ، فينبغي الاعتراف بهذه الهويات ، ثم إيجاد هوية جامعة ، تتّفق عليها هذه الهويات الجزئية ، فمثلاً بلاد مثل المغرب، تكثر فيها الأعراق ، لكن الغالبية العظمى ـ فيها ـ هم المسلمون ، فهويتها الغالبة هي الإسلام، ويتفق مع الهويات الفرعية .  أو بلد مثل لبنان ، فالقومية الغالبة هناك هي القومية العربية.

أما في بلدنا ، يكون الأمر أشد تعقيداً ، فهناك هويات متصادمة ، كالمذهبية في داخل الدين الواحد ، والدينية في تعدد الأديان ، والقوميات : كالعرب ، والكرد ، والتركمان ، فينبغي الصيرورة إلى أن نحفظ لهذه الهويات ـ كلها ـ حقوقها واهتماماتها ، لا أن تبتلع ( كما يريد بعظهم بحجة الأغلبية السياسية ) وخير هوية جامعة لها هي الأرض ، والوطن ، والتراب ، وأن يكون أبناء هذا البلد ، يحملون هويته.

فنحتاج إلى إعادة بعض الفقرات في الدستور في موضوع شكل الدولة ، فلا يمكن أن تكون الدولة لمكوّن ، أو لدين ، أو لقومية معيّنة ، ولاسيما نحن نشهد انفتاحاً كبيراً ، لا نريد إعادة تجارب سابقة ، عندما كانت الأقليات تشعر بالاضطهاد ، فيتطلّعون إلى حريّتهم خارج البلاد . إنّ البلد يحتاج إلى أبوية في إدارته ، ورحمة في قيادته ، ليعيش أفراد المجتمع ـ كلّهم ـ بهذه الأبوية ، ويشعر كلٌّ منهم أنّ الإدارة قريبة منه .

 

 

 

 

 

 

 

                                                             الدكتور الأستاذ عدنان عاجل

(الهوية الدينية )

قبل الدخول في تفاصيل العلمية للعنوان ، أودُّ أن أوضّح لفضيلة الشيخ ، الذي حلَّ علينا ضيفاً عزيزاً : إنّ العِمّة الحنفية ، هي ضيفنا الدائم والكريم في معهد العلمين للدراسات العليا ، وقد كان ـ قبل شهر من اليوم ـ في ضيفاتنا الشيخ العيساوي ، إمام جامع (أم الطبول) ، وسُعِدنا بزيارته كثيراً . فحضوركم اليوم هي إحدى أسباب غِبطتنا.

إنّ دستور جمهورية العراق في سنة 2005م ـ الذي جاء بعد عناء طويل من الحكم العسكري المركزي في العراق ـ كان فتحاً مبيناً انشرحت له الصدور ، وبلسماً شافياً لجراح السنين بعدّه أول دستور صدر بالاستفتاء ، منذ تأسيس المملكة العراقية الى اليوم .

ولكن هذا الدستور كان سبباً في تفتيت وحدة البلاد ! وقد وضع البلاد ـ في أكثر من مرّة ـ على المَحك، للأسباب التي ذكرها الدكتور زيد العلي، فيما يُطلق عليه (النظام الفيدرالي) .

ومنذ تأسيس المملكة العراقية ، إلى يومنا هذا يتنازع العراق اتجاهان : الاتجاه الأول ، هو الاتجاه العشائري ، والاتجاه الثاني هو الاتجاه الحوزوي .

ففي ثورة  العشرين عام 1920 م كانت المرجعيات الدينية ، والقيادات العشائرية ، هي من تولّت قيادة الثورة ، وتوجيهها ، وأجبرت الانجليز على تأسيس المملكة العراقية .

إن العراق لن يكون يوماً ما – مع تنازع هذه المرجعيات عليه – دولةً دينية ؛ فالعراق منذ أن تأسّس القانون الأساسي عام 1925 م حتى دستور جمهورية العراق سنة 2005 م هو دولة لادينية.

فإذا ما أجرينا مسحاً على دساتير الدول وهويتها الدينية ، نجد أن هناك فئتين تتجاذبان النظام، هما  : الدولة العلمانية ، وقد أخذت بها دول أوربا معظمها.

والدولة الدينية ، وهي تمزج بين الدين والدولة ، مثل :  دستور الجمهورية الإسلامية في إيران 1979م ، والنظام الأساس للحكم في السعودية 1992 م ، أما الدول التي تتأرجح بين هذين الاتجاهين ـ ومنها العراق ـ فيُطلق عليها ما يسمّى الدولة المدينة : والدولة المدنية هي التي تحترم الحقوق والاقلّيات ، ولا تجبر شخصاً لاتباع مظاهر العلمانية ، أو اتباعٍ لمظاهر الدينية . ولذلك ترى دستور جمهورية العراق 2005 م، يمنع الاعتداء على الحريات الشخصية منعاً باتّاً، وأي مظهر من المظاهر الدينية .

فما المشكلة ؟

تكمن المشكلة في طبيعة المجتمع ، ذي الميل المتطرّف ، الرافض للآخر . وهذه القضية تحيلنا إلى موضوع التعايش السلمي ،وكيفية تحقيق التعايش بين القوميات والإثنيات .

وقد ورد في كتاب (فتاوى للسيد السيستاني ) للمؤلف حامد الخفّاف ، ذكر السيد السستاني ـ وقت كتابة الدستورـ  إنّ العراق لا يسعى إلى تأسيس دولة دينية ، بل يسعى إلى تأسيس دولة المدنية التي تحتوي الجميع تحت ما يُسمّى (الجامع الوطني) التي نصّ عليها دستور العراق 2005م.

ولا يخلو هذا الدستور من مشكلة ما ، لأنّه وُضع على يد الساسة ، ولم يكن بأيدي أصحاب الخبرة ، والمتخصّصين ؛ فقد أحصينا – بوصفنا متخصّصين في القانون الدستوري – أكثر من خمسين موضعاً ، أخفق فيه الدستور موضوعياً . إنّ دستور 2005 م ليس بتلك التجربة التي يُتحذى بها .

إنّ محاولات التعديلات الدستورية لا تخلو من الإخفاق ، فإنّ حدثتْ فهي تنقذ البلاد من مشكلة ما ؛ لأنّها تعديلات طفيفة ، لا تمسّ كبد الحقيقة . والأصح أن تدخل التعديلات الجوهرية على شكل الدولة أولاً ، وعلى شكل نظام الحكم ، فمثلاً تقول المادة (80) : يمارس مجلس الوزراء صلاحية التخطيط والتنفيذ للسياسة العامّة للدولة ، أمّا المادة (78) فتقول : إنّ رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي ـ المباشرـ عن السياسة العامة للدولة .

أي إنّ المجلس يضع السياسة، ويكون رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول الأول ، عن تنفيذ هذه السياسة والتخطيط لها .

المادة (80) تقول : يتولّى مجلس الوزراء الإشراف على الوزارات ، وهل يمكن أن يشرف الوزراء على أنفسهم ؟!

فرئيس وزراء العراق مسؤول عن سلطة لا يمارسها أصلاً . وهذا ما يجعل دستور 2005 م فاقداً للتوازن .

فنطمح مستقبلاً أن تكون هناك تطبيقات لأحكام الدستور ، دستورٌ لا يُفرط به عِقد الدولة ، ويُبقى الدولة واحدة ، ضد محاولات الانفصال التي تظهر بين الفينة ، والفينة .

و إنّ سبب ضعف السلطة المركزية ، إن دولة القانون لا يخضَرّ لها عود ، ولا يقوم لها عمود دون أن تكون هناك سلطة مركزية قوية ، ونصوص دستورية محترمة، من الحكّام و القابضين على السلطة .

الدكتور عامر حسن فياض

                                  (( دسترة المحاصصة ، وآثارها السلبية ، على التعايش بين التنوعات في العراق المعاصر))

أبدأ ورقتي بإرسال أربع رسائل، هُنّ محدِّدات يتّضح  بهنّ ما أريد قوله :

1-    إنّ الدستور العراقي هو ليس الخطر بذاته ، بل هو في الخطر ، لعدم احترامه ، ولعدم تطبيقه .

2-    الرسالة الثانية فيما يتعلّق بالتعايش والتسامح ، إنّ التعايش والتسامح هما ليسا رغبة قيمية ، أو أخلاقية ، بل هما إرادة سياسية صادقة ، فلا ينبغي الاتّكال على الأخلاق فحسب . إنّ التعايش والتسامح هما ليس قرارات ، بل هما مسارات بناء ، لا بد أن يأخذ طريقاً ومراحل ، وهما ـ في الوقت ذاته ـ حقوق ، يجب أن يضمنها الدستور ، وتنظمها القوانين. إنّ التعايش والتسامح – مبادئ مرتبطة بالديمومة والتواصل ، لا يرتبطان باللحظات العابرة .

الرسالة الثالثة : (الحوار)

تحدّث الأستاذ (ريكاردو) عن الحوار ، وأكّد أنّ المسيحية أساسها فكرة الحوار، ولكننا نعتقد أن الأديان كلّها تنطلق من فكرة الحوار، فلا المسيحية ولا الإسلام يقول : إنّ الآخر عدوٌ وخصم ، بل إنّ الأديان كلها تقول : إن الآخر مختلف ؛ لأنّ حق الاختلاف مشروع .

وقد ورد في الأثر عن الرسول (صل الله عليه وآله) :  ((اختلاف أمَّتي رحمة ))

وإذا ما نظرنا إلى مبادئ الوجودية ، نجد أساسها (الأنا والآخر) فمقولتهم : ((إنّنا لا يمكن أن نُعرف إلا بدلالة وجود الآخر)) فالآخر ضروري ، للتعريف بالأنا .

الرسالة الرابعة : تتعلّق بفكرة الهويات والتنوّع .

وإذا ما تطرّقنا إلى هذا الموضوع ، ينبغي أن نذكر أن قضية التنوع ، هي قضية سائدة في المجتمعات الإنسانية كافة .

فالتنوّع حقيقة ، وقد يكون تنوّعاً دينياً ، أو مناطقياً ، أو قومياً ، أو عرقياً ، أو مذهبياً ، أو فكرياً ، أو بيلوجياً؛ فعلينا أن نتعامل مع هذه الحقيقة التي تسمّى تنوعاً

وعندما نتحدث عن التنوع في الهويات علينا أن نميّز بين هوية سياسية يحتاجها المجتمع ، وهوية غير سياسية ، هي حقيقة موجودة في المجتمع ، علينا ألّا نتعرّض لهما .

إنّ العراق يعيش حقيقة التنوّع ، ومشكلة مطالبة هوياته بأن يكون الحكم حاملاً لهوياته ، كذلك منهم يطالب بأن تكون هويّته ممَثَّلة في سلطة ، وهذه مشكلة كبيرة ، وهذا اللاتميز بين الهوية السياسية والهويات الأساسية،  علينا أن نتنبّه له ؛ لأنّ العراق لا يمكن له أن يعيش حقيقة التسامح إذا اختار واحدة في هذه الهويّات ، لتكون هوية سياسية . علينا أن نبحث عن هوية سياسية ، خارج إطار هذه الهويّات .

فلا بد من البحث في الهوية السياسية التي تكون عمادها المواطنة ، خارج نطاق هذه الهويات، الاجتماعية ، والقومية ، والدينية، غير ملغياً لها أو متعرّضاً لمبادئها .

إنّ العراق يعيش حقيقة التنوّع ، وقد يكون هذا التنوّع نعمةً أو نقمة ، عندما يكون تنوعاً منسجماً، فهو تنوع محمود ، ويتحقق الانسجام لا بالدعوات الأخلاقية ، ولا بالفتاوى الدينية فحسب، بل مع نظام سياسي يحقّق الانسجام .

وهذا النظام السياسي ، يعتمد على مبادئ وسلوكيات عاقلة وحكيمة ، ومؤسسات ضامنة، ويقوم على المساواة التامّة ، ويُقرُّ المشاركة والتعددية ما بين المختلفين سياسة.

منذ عام 2003م ، والعراق يعيش خمسة مشاريع ، مشروع دكتاتوري ، ومشروع محتل ، وآخر محاصصة ، وذاك مشروع إرهابي . وغيره وطني ، وقد تخلّص العراق ـ شبه تخلّص– اليوم من مشروع الدكتاتورية ، ومن المحتل ، ومن الإرهاب ؛ إلا  أنّه سجين المحاصصة ، متطلّعاً إلى مشروع وطني ، فالعراق يخشى أن تستمر المحاصصة ؛ إذ ثمّة أربع مواد في الدستور ، تؤكّد على فكرة المكوّنات .

المادة (9) أولاً : أ ـ  

(( تتكوّن في العراق القوات المسلّحة العراقية ، والأجهزة الأمنية من مكوّنات الشعب العراقي))  وهل توجد دولة في العالم ، تصرّح أنّ جيشها يتكوّن من مكوّنات ؟! وكان يجب أن تكون العبارة (يتكوّن من مواطني العراق ) بدلاً من (مكوّنات ) .

المادة (12) :التي اختصّت بشعار العراق ، وعلمه ، ونشيده:

ينظّم بقانون : علم العراق ، وشعاره ، ونشيده الوطني ، بما يرمز إلى مكوّنات الشعب العراقي.

(3) المادة (25) : وهي أخطر مادة في الدستور العراقي ، التي تخص فكرة التعايش ، يقول: (يضمن هذا الدستور الحقوق  الإدارية والسياسية ، والثقافية والتعليمية ، للقوميات المختلفة ، كالتركمان والكلدان والآشوريين ، وسائر المنظّمات الأخرى ، وينظّم ذلك بقانون) . وقد قدّم مشروع القانون ، ( ولدي دراسة عنه ) تُظهر أنّ مشروع القانون ، مشروع ركيك وخطر جداً؛ فكيف يضمن حقوق سياسية لمكونات ؟! على حين قد أعطى الدستور حقوق سياسية للأفراد ؟ فكيف يعزل الأفراد عن المكوّنات ؟

أما عبارة (القوميات المختلفة ) ، التي ذكر في سياستها (التركمان ،والكلدان ،والآشوريين) ، وهؤلاء أقليات ، لا يصلح أن يطلق عليهم مصطلح القوميات،  ولو صح هذا المصطلح عليهم ، لوجب أن يذكر في السياق القوميات الأخرى ، كالعربية والكردية .

وهذه المادة لازالت في ادراج مجلة النواب وهي من المواد الخطرة حداً

المادة (142) : التي تخصّ تعديل الدستور يقول فيها : (شكّل مجلس النواب ـ بداية عمله ـ لجنة من أعضائه ، تكون ممثّلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي، ومهمتها أن تقدّم قرارها إلى مجلس النواب ، لمدة معينة من الزمن ، فحتى تعديل الدستور، يدخل فيه مفهوم المكوّنات وهذه قضية خطرة .

واختم فيما يتعلّق بحوار الأديان : إن أي دين كان ، لا ينبغي أن يخشى الإسلام ، فيا مسيح لا تخشَ الإسلام ، ويا إسلام لا تخش المسيح ، وعلى كل دين أن يخشى نفسه أولاً ، قبل أن يخشى الأديان الأخرى.

 

 

 

                                                         مداخلات الدكتور فيكتوريا و الدكتور أندريا 

بادئ الأمر ، أود الاعتذار إذا ما كانت لغتي ليست بالفصاحة الكافية .

لا نستطيع أن نتحدث عن قضية الدستور في العراق ـ بوجه خاص ـ لكننا نستطيع أن نقدّم لكم مثالاً من الخبرة الأوربية، والخبرة الإيطالية (على وجه خاص). والعلاقات بين المؤسسات الدينية في أوربا ، والجمهورية الإيطالية .

وهذا يعيدنا إلى الإطار التأريخي للدستور الإيطالي ، فبعد الحرب العالمية الثانية خرجت إيطاليا من حكم دكتاتوري، استمر لأكثر من عشرين سنة ، ومن ثَم كان آباء الدستور ، من أطراف مختلفة ، وأكثرهم ممن تمرّد على النظام الفاشي . وكانت هذه الأطراف – بوجه عام – من الحركة الديمقراطية : المسيحي الشيوعي ، والجمهوري ، والليبرالي ، وهم غير متدينين ، ولكنهم مهتمين بالقضايا الاقتصادية . هؤلاء الناس كلهم ، عانوا كثيراً في حقبة الفاشية، ولم يريدوا أن تُكرّر الأخطاء السابقة ، ففكّروا بالدستور الإيطالي  إطاراً عاماً،  لكي يقبله الأطراف كلهم ـ أن كان حالياً ، أو في المستقبل ــ مجالاً مشتركاً ، باتفاق من الأطراف كلّها ، فعندما تقرؤون الدستور الإيطالي ، ستجدون فيه مواد قريبة من الرؤيا الشيوعية ، وأخرى قريبة من المسيحية ، وكلّها يختلط اختلاطاً صحيحاً ،فلا أحد أراد أن يهمّش الآخر ، لأنك لو أردت ذلك مع مكوّن ما، وهذا المكوّن يرفض هذه الدولة، فلن يخلو الأمر من المشاكل ، حتى مع الفاشية ، فقد رفضت هذه المكونات الفاشية حزباً، ولكنها رفضت الانتقام أيضاً ، فتجد الحزب الفاشي ممنوعاً في الدستور ، على حين أنّهم غفروا للمنتمين إلى صف الحزب ، ثم بدؤوا معهم صفحةً بيضاء جديدة .

إنّ في الدستور الإيطالي يوجد احترام للأقليات كلّها ، وأكدوا على فكرة إنّ الديمقراطية تعني سيطرة الأغلبية، باحترام الأقليات وهذا مهم جداً في الدستور ، لئلّا ترفض مواد الدستور من أحد مكوّنات الدولة .

فعلى سبيل المثال : كان هناك صراع سياسي في الخمسين سنة الماضية ، بين الحزب الديمقراطي المسيحي والشيوعيين ، والأول رأى أنّ أمريكا هي الأمثل ، والثاني ذهب إلى الاتحاد السوفيتي ، وكان هناك قلق دائم حول صراع مسلّح . الاثنان اتفقوا على العوامل المشتركة،وهمّشوا المتطرفين ، لأنّهما احترما الآخر ، فعلى سبيل المثال : الأول رئيس الجمهورية ، وكان من الديمقراطيين ،وكان رئيس البرلمان من الشيوعيين ، ولكل منهما عمل معترف به ، في الدولة .

ثانياً : إن لكنيسة إيطاليا دور مهم للاعتراف بالأقليات ومكونات الدولة . علينا أن نقول: إنّ المسيحية بدايةً ، رفضت الدور السياسي ، ولكنّها اقتدت بقول اليسوع : مملكتي ليست في هذا العالم. مع وجود صعوبات بين الكنيسة والدولة سجّلها التاريخ.

وعندما بدأت الدولة الإيطالية ، كتبت في مادتي الدستور السابعة والثامنة : والكنيسة الكاثوليكية لها دور معتَرَف من الدولة، وفق اتفاقيات مكتوبة .

وهناك فقرات نصّت على أنّ الدولة والكنيسة ، كلٌّ منهما يعمل في تخصّصه ، فالكنيسة لها عملها ، والدولة لها عملها ، وعندما يلتقي الإثنان يجريان اتفاقية خاصّة.

أمّا المادة الثامنة :

فقد مكّنت للأقليات الدينية ـ في المستقبل ـ أن يتّفقوا مع الدولة بالأسلوب نفسه .

 نختم بأهمية القول: إن الدستور الإيطالي يمثّل الهوية المدنية ، لأنّه يعترف بالمؤسسات كلّها ويحترمها .

فدستور إيطاليا يختلف عن طريق فرنسا ، أو أسبانيا في التعايش ، فكلٌّ منها لديه فكرة مختلفة عن التعايش السِلمي ، والتعامل مع الأقليات .

وهذه أمثال نضعها بين أيديكم لا أن تطبَّق بالأسلوب نفسه ، بل على العراق أن يجد طريقة نحو الديمقراطية ،والتعايش السلمي مع مكوناته .

وفي الوقت نفسه ، إنّ الديمقراطية ليست قانوناً قادراً على اجبار الناس على سلوك معين ، بل إن الديمقراطية ثقافة ، وهذا موجود حتى عند الإيطاليين ، الذين احتاجوا وقتاً لكي يشعروا بمفهوم الديمقراطية ، وبطبّقونه . فالديمقراطية أسلوب وعلى الناس أن يتعلّموا أن هذا الأسلوب مبني على احترام الآخر .

وعلى المؤسسات الدينية المسؤولية الكبرى في إرساء هذا المفهوم ، ونشره .

 

                              مداخلة الدكتور الشيخ وليد فرج الله ، عميد كلية الفقه ، حول حوار الأديان والحضارات.

أحب أن أنوّه إن ما سأقدمه، مداخلة وليست ورقة بحث .

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وصحابته الغر الميامين ،وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته .

تفضّل سماحة الشيخ (السامرائي) وأشار وجود العمّة الحنفية في النجف الأشرف ، فنرحب بالعمة الحنفية في النجف الأشرف، وأصدقك القول : لا يمرّ أسبوع واحد ، دون أن تحلّ في النجف الأشرف عِمّة من أخواننا السنة ، سواء أكانت عمة ؟حنفية أم عمة شافعية ، أم من المذاهب الأخرى خارج العراق .

فأحببت أن أشير إلى هذه .

وقد كنت أودُّ الحديث في أمر ما ، في هذه الندوة ، فوجدت الأستاذ الفياض قد سبقني إليه!

فهناك هواجس عرضها سماحة الشيخ ، بين السطور ، تتعلّق بموضوع الأغلبية والأقلية في المجتمع العراقي ، ولا سيما في المرحلة الحالية ، أو الهواجس المستقبلية وبعيداً عن السياسة ، من المنطلق الفكري لا توجد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام فكرة أغلبية وأقلية ، لم أجد ذلك في تراث الفقهاء ، ولا في تراث المفكّرين، فالإنسان لديهم قيمة عُليا ، وقد صنّف الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام – بوضوح تام ، على صنفين : (إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق ) فالجميع عباد الله تعالى ، يتساوون جميعاً في الحقوق والواجبات ، فلا توجد أقلية . ولا توجد أكثرية ، ولا تهمّش أي أحد ؛لأنّ التهميش حرام ـ شرعاً ـ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام .

أما في ما أقرّه الدستور العراقي ، عن مكوّنات المجتمع العراقي ، فهو موضوع يحيلنا إلى مبدأ ثقافة الحوار ، فجميل أن نتحاور ، وجميل أن نلتقي ، وقد عُقدت كثير من المؤتمرات والندوات عن حوار الأديان ، وحوار المذاهب والتقريب بينها ، ولكن ما هي النتيجة ؟ فلا نكاد نجد ثمرة عنه ؟ وقد يكون ذلك لأسباب شتّى : كأن تكون تقاطعات سياسة . والحوار ثقافة لابدّ منها ، فكيف يمكن ان نحوّلها في أذهان الجميع ، ولكي يكون الحوار ثقافة ، لابد أن يكون هناك إيمان داخلي به، أن لا يكون الحوار التقاط صور أمام الكاميرات ، وعبارات لطيفة في المؤتمرات والندوات والحلقات الثقافية فحسب . كيف نفعّل مفهوم الحوار ، ونحوّله إلى  إيمان في أعماق الفرد .

والسؤال المهم : هل لدينا إرادة حقيقية للحوار  مع المختلف ؟

إنّ الدين لا يدعو إلى كره الآخر البتّه ، بل هو من يشيع ثقافة تنظيم الاختلاف ؛ ولذلك تحتاج إلى آلية عملية ترشيدية ، لتحقيق هذه الغاية .

أتمنّى أن تكون هذه الجلسة انطلاقاً للعمل ، والتأسيس لثقافة جديد للحوار .

 

                                                      مداخلة للسيد الأستاذ المساعد محمد طاهر الحسيني 

اتفق مع الدكتور زيد ، إن دستور العراق عام 2005 بحاجة إلى مراجعة وتعديل . إن المشكلة التي يعاني منها دستور 2005م هو أنه دستور دائم ، والدساتير الدائمة توضع في مدة استقرار تمرّ بها الدولة ، أما إذا كانت الدولة تمرّ بظرف أزمة كأزمات الانفلات الأمني ، والوضع الاقتصادي .

وكل دول العالم ، التي وضعت الدساتير في حالة عدم الاستقرار ، أعادت وضعها مرّة أخرى وقامت بالتعديل عليها ، كالذي نراه في فرنسا ـ وهي سيدة التنوير ـ عندما وضعت دستورها 1946م ، في أعقاب الحرب العالمية الثانية ،وبعد 12 عاماً من استقرار الوضع وضعت دستورها 1958م، الذي بقي حتى اليوم. والسؤال الحقيقي: هل تحقّق الاستقرار في العراق اليوم ،لكي تستطيع أن نعيد النظر في الدستور ، أم لم يتحقق ؟ الأمر الثاني : يتعلق بفلسفة النظام الاتحادي الذي عرض له د.زيد العلي ، وقد تحدث به عن جملة من الأمور

والنظام الفدرالي يقوم على أمرين أساسين :

-         الحفاظ على وحدة الدولة ، وكيانها من التشرذم

-         والثاني هو الحفاظ على خصوصيات المكوّنات الدينية ، والقومية للدولة ، ولذلك ترى أنجح نظام إلى الآن (في الحفاظ هل هذين الميزتين ) هو النظام الفدرالي .

نحتاج الى إعادة النظر في توزيع الاختصاصات بين مستويات السلطة الاتحادية، والمحافظات والأقاليم ، فتوزيع الاختصاص يتّبع فلسفة المشرّع الدستوري ، إن كان يريد تقوية سلطة الأقاليم على حساب السلطة الاتحادية ، أو ما كان خلاف ذلك.

أما مداخلتي على الدكتور عدنان عاجل ، فأنا أؤيّد ـ من دون أدنى شك – أن الدستور العراقي 2005م فاقد للتوازن . ولكن من الصعوبة أن تقول إن الدستور العراقي – كلّاً – هو دستور غير متوازن ، وإن كانت فيه بعض المواد غير المتوازنة ، فالقواعد العامة من العلوم الانسانية ، تؤسس على قاعدة الأغلبية بمبدأ (1+50) فننشئ بذلك حكماً، والحكم يتّبع الأغلبية؛ فإذا كانت معظم قواعد ونصوص الدستور العراقي 2005م، مختلّة ، وغير متوازنة ، فيكون دستور 2005م فاقداً للتوازن .

                                                                           مداخلة د. محمد

في ما عرض الأخ زيد العلي نقول : إنّ نظام الاتحاد الفيدرالي ثبت في العراق دستوراً، لكنه لم يطبّق على أرض الواقع . أمّا الانموذج الكردي ، فهو ليس انموذجاً فدرالياً ، ولابد من ملاحظة كيف كان حال الكرد قبل 2003م ، كانوا مستقلّين تماماً عن العراق ، وعندما وضع الدستور الفدرالي بعد عام 2005م، كان التوازن بين الإقليم والمركز قد وُضع بأسلوب مقبول جداً ، ولكن فكرة الاستقلال لا تزال باقية في العقل الكردي ،وقد طُبّقت واستمرت إلى يومنا ، ولعل ما حدث في هذه السنين ، هي فرصة تاريخية لتطبيق النظام الفدرالي ، وجعل العقلية الكردية تنسجم مع النصوص الدستورية ، المثبّتة في 2005م .

فلا نستطيع أن نحكم على النظام الفدرالي العراقي ، بالاستناد على النموذج الكردي .

أما الشيخ عبد الوهاب السامرائي فقد ذكر أنه يخشى من فكرة الأغلبية ، وقد أورد كلمة (الأغلبية) مجّردةً ، ولم يُضف إليها كلمة الوطنية ، لتصبح (الأغلبية الوطنية )، وهي الأغلبية التي تضم جميع المكونات ، وليست أغلبية مكوّن واحد.

إن الدستور العراقي جمع بين المدينة والدينية ، عندما عرض لقضية الدين الرسمي للدولة ، وأقرّ أن الإسلام هو الدين الرسمي لها ، ولا يجوز تشريع قانون ما ، يخالف الأحكام الإسلامية .

                                                                      مداخلة م.د. أحمد سامي .

إنّ الأب الروحي الذي وضع دستور 2005م هو الأمريكي نوح فيلدرمان ، أستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفرد،  الصهيوني الأفكار ، اليهودي الديانة . ووضع هذه المواد الخلافية كلّها ، التي سبّبت هذه المشاكل ، مع مكتب المحاماة الأمريكية ، الذي استعان به الأخوة الأكراد ، تعادنا مع رئيس هذا المكتب بيلف كارذ ، فكل نقاط الخلافة المتعلّقة : بالمركز، والأقاليم ، والدستور ، وحقوق الأكراد ، والنفط والغاز ، والمكوّنات ، قد وُضعت بإرادة الأمريكان ، وليست هفوات ، أو سقطات على أيد من كتبوا الدستور العراقي 2005م .

 

                                                                    مداخلة م. د. علاء السيلاوي 

أشكر معهد العلمين على هذه الدعوة الرسمية ، وبعد ..

 من المحزن أننا منذ عام 2003م ، وللآن لا نزال نتحدث عن الدولة توصيفاً وهوية ، و هذا يعني أن الدستور العراقي لم يرَ النور تطبيقياً ، ولا تزال تُستعمل مصطلحات وتعابير لم تطوّر قَط ، كمصطلح (العملية السياسية ) التي تبيّن أننا لا نزال في طور (العلمية) ، هذا يعني أننا ـ للان ـ لم ننجح في تطبيق بنود الدستور ؛ لأننا خرجنا  من نظام دكتاتوري قامع وشمولي، إلى نظام ديمقراطي، مباشرةً! من دون المرور بمراحل، وتلبية متطلبات هذا النظام الديمقراطي، و أولها موضوع العدالة الانتقالية . فلم تُتَبنَّ قط ، ومن ثم موضوع المصالحة الوطنية ، والتصالح مع التاريخ ، فلم نعهده إلى اليوم .

فتبنّينا الدستور، وهو انعكاس لمخاوف هذه الفئات المتجمعية ، بعد ذلك وضعنا الدستور أمامنا وبدأنا بمحارته ، وتوجيه النقد اليه ، فهل الدستور نزل من السماء ؟ أم هو انعكاس حقيقي لإرادة المكوّنات ؟

                                            مداخلة الدكتور الأستاذ عدنان عاجل ، على  د. محمد القانون المدني

إنّ أي نظام دستوري ينصّ على إن الإسلام دين الدولة الرسمي ، ومصدر أساس للتشريع، ثم تجده لا يخلو من التشريعات ، لتي تخالف الشريعة الإسلامية ، فإنّ مادة الاسلام دين الدولة، هي (فزّاعة) ليس إلا . فلدينا قوانين عراقية تخص قانون الجزاءات و العقوبات ، تخالف الأحكام الإسلامية تماماً . كقضايا الزنا ، التي تتعارض مع مفاهيم حقوق الإنسان .

القضية الأخرى ، إنّ العراق قد أخذ بالدستور 2005م ، والدستور ألمح إلى فكرة المحاصصة الطائفية ، فالمادّة (76) نصّتْ على : (يكلّف رئيس الجمهورية  مرشّح الكتلة النيابية، الأكثر عدداً أي مجلس الوزراء خلال 15 ....) فنصل الى عبارة : (يعرض رئيس مجلس الوزراء منفردين وبرنامجه الوزاري ) فعندما تبحث عن مثل هذه العبارة في دساتير العالم كلّها ، وأنظمتها البرلمانية ، ستجد عبارة (الوزراء دفعة واحدة )!

المادة (142) يعد الاستفتاء ناجحاً ، إذا لم يرفض ثلث الناخبين في ثلاث محافظات ، أو اكثر ، وهذا أسلوب ما يعرف بالديمقراطية التوافقية ، إن الديمقراطية التوافقية قد طُبقت في السويد وفي النرويج ، وفي بلجيا ، وكندا ، وسويسرا . أما العراق فقد حاول أن يستعيد مبدأ الديمقراطية التوافقية ، إلا انّه نسي فكرة هامّة ،وهي أن كل الدول التي سبقتنا ، لم تطبّق الديمقراطية التوافقية، إلا بعد أن مرّت بالديمقراطية الأغلبية ، وبعدها طبّقت التوافقية

مداخلة الدكتور عامر فياض :

(التوافقية والتوافق)

 إن التوافقية فكرة موجودة في الديمقراطيات كلّها ، ويقصد بها تحقيق التوازن ، أما التوافقية في العراق ، فهي توافقية عرجاء ؛ لأن التوافقية تكون لسد الفراغ الدستوري ، في الحالات السياسية التي تدعو لسباق الدستور لحل بعض مشكلاتها ، فعندما لا يقدّم هذا السياق حلاً لها ، تلجأ الأحزاب إلى التوافق ، فالتوافقية هي مجاوزة إيجابية للدستور .

 

 

ختام الندوة

الدكتور فكرت نامق

في نهاية هذه الجلسة الحوارية ، نشكر الأخوة كلّهم : الذين قدموا أوراقهم البحثية ، والذين عرضوا مداخلاتهم عليها  ، وإلى لقاء آخر في ندوة حوارية قادمة إن شاء الله .